أخبار عاجلة

لماذا يتجاهل المحللون نقطة التحول الأساسية في سوق النفط؟ إليك السبب...

لماذا يتجاهل المحللون نقطة التحول الأساسية في سوق النفط؟ إليك السبب...
لماذا يتجاهل المحللون نقطة التحول الأساسية في سوق النفط؟ إليك السبب...

على مدار السنة الماضية تقريبًا، حذرت البنوك والاستشاريون الماليون من زيادة كبيرة في العرض في سوق النفط. وقد خلصت نماذجهم المستقبلية إلى أن انخفاض سعر النفط سيكون نتيجة ضعف الطلب، وبطء النمو العالمي، والتدرج في إعادة إدخال براميل النفط المخزنة من قبل دول أوبك بلس (OPEC+). وعلى هذا الأساس، ذهبت توقعات الأسعار التوافقية إلى وصول سعر خام غرب تكساس الوسيط (WTI) إلى حوالي 58-60 دولارًا للبرميل بحلول عام 2026، بمتوسط حوالي 61 دولارًا في السنة المقبلة، وأقل من 60 دولارًا في السنة التالية لها.

ومع ذلك؛ فإن هذه التوقعات بدأت تبهت تدريجيًا، فلقد خرج عن هذا الإجماع خلال الأسبوع الحالي المؤسسة المالية غولدمان ساكس، مُفسرة توقعها بأن الاستهلاك الكبير الحالي في ظل محدودية العرض يرجح استيعاب السوق لبراميل نفط إضافية من دول أوبك بلس دون التعرض لمشكلة وجود فائض، وهو توقع تؤيده البيانات الرسمية حتى الآن؛ إذ يشير المتوسط البسيط للأرصدة الربع سنوية الذي أعلنت عنه إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA) ومجموعة أوبك إلى عجز بقيمة -0.25 مليون برميل في اليوم في النصف الثاني من عام 2025، متبوع بفائض قصير الأجل بقيمة 0.33 مليون برميل/يوم في الربع الثاني من 2026، ثم حدوث عجز مرة أخرى بعد ذلك على مدار تلك السنة.

وحسب ما يراه خوليو ألونسو أورتيغا، الاقتصادي السياسي والشرك في شركة القبس للاستشارات: فإن "الجدول التوافقي لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية وأوبك يشير إلى احتمالية حدوث عجز في السنة المقبلة بمعدل 0.25 مليون برميل/يوم، ومجرد فوائض بسيطة فيما بعد، وكلها معدلات مرتبطة تاريخيًا بارتفاع أسعار النفط".

وتؤكد المخزونات التوقعات الأخيرة. ويلاحظ انخفاض المخزونات التجارية في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أقل بكثير من متوسط السنوات الخمس، بالإضافة إلى هبوط حاد في مخططات الجرد المقارنة، التي ظلت لفترة طويلة مرتبطة بمنحنيات عوائد مستقرة، منذ عام 2023. وتجدر الإشارة إلى أن تقلبات الأسعار الملحوظة حتى الآن في 2025، يمكن أن تقارن بالتقلبات التي حدثت إثر جائحة كوفيد، إلا أن التقلبات الحالية تعزى إلى حالة الضبابية في المشهد الجغرافي السياسي أكثر من كونها ناتجة عن عامل خارجي مفاجئ. ويشير وضع المخزون المقارن الحالي إلى أن سعر خام غرب تكساس الوسيط (WTI) أقل من الطبيعي بمعدل 10 دولارات للبرميل الواحد، وهو انخفاض لم يحدث سوى مرتين فقط على مدار ربع القرن الماضي.

ويبرز هنا سؤال مهم: لماذا تستمر النماذج التقليدية في الإشارة إلى معدلات منخفضة؟ والإجابة ببساطة أن هذه الأدوات قد صممت لفترة سابقة تتسم بقابلية التنبؤ بأسعار التداول، وباتساق السياسة الاقتصادية، وتكامل العمليات اللوجستية؛ ولكنها غير مناسبة تمامًا لتسعير ما لا يمكنها توقعه، أو القرارات الحكومية المضطربة، أو التدفقات التجارية الهشة، أو عدم الاستقرار من الناحية السياسية الجغرافية. ونتيجة لذلك، فإن هذه النماذج المصممة حسب نظام عالمي بائد تميل إلى المبالغة في توقع انخفاض معدل العرض في الدول غير التابعة لمجموعة أوبك، والتقليل من قيمة الطلب المتوقع، وإغفال الزيادة التي تفرضها محدودية المخزون نتيجة لضعف القدرة على توفير الإمدادات بشكل مستمر. 

ويركز خبراء التنبؤ أيضًا على توقيت الإجراءات والتعديلات التي تجريها دول أوبك بلس. ومع ذلك، فإنه في العالم الحالي الذي تتحكم في اقتصاده تعريفات وجزاءات ممرات تجارية متسقة تحددها كيانات حكومية اقتصادية، فإن قرار حكومة المملكة العربية السعودية بإعادة هيكلة قدرة احتياطية هي استراتيجية يمكنها بكل بساطة التحكم في السوق وإعادة الأمور إلى نصابها. وذلك انطلاقًا من حقيقة أنه مع نقص المخزونات، فإن أقل الاضطرابات في أي من بؤر التوتر الجغرافية العديدة، من أوكرانيا إلى مضيق تايوان، قد يؤدي إلى ارتفاع غير مسبوق في الأسعار. 



وفي هذا السياق، تختلف توقعات ألونسو عن السعر عن بقية التوقعات في سوق النفط.

وقد عبر عن ذلك قائلًا: "إن السيناريو الأساسي الذي نتوقعه هو وصول سعر خام عرب تكساس الوسيط (WTI) إلى متوسط 66 دولارًا في عام 2025، و68 دولارًا في عام 2026. ولن يحدث هذا الفارق الكبير بشكل تدريجي، بل ستتأرجح هذه الأسعار مع كل حركة مفاجئة في حجم المعروض من النفط أو مع أي تطور في الأوضاع السياسية الجغرافية، ولكن الاتجاه العام سيكون أعلى من الأسعار الحالية في عقود البيع المستقبلية".

وليس الغرض من هذه التوقعات التفاؤل المطلق، فهي لا تزال تشير إلى احتمالية حدوث فترات من الضعف في حالة انخفاض النمو. ومع ذلك، فإن التعامل مع هذه المخاطر لا يعكس اتزانًا ومراعاة دقيقة لها؛ فقيود المنتجين تعمل على الحد من هبوط السعر، في حين أن ارتفاع السعر قد يظل عرضة للعديد من التقلبات في سوق يعاني من ضعف هامش الفائض. 

أما بالنسبة لشركات تكرير البترول وشركات الطيران ووزارات المالية التي وضعت موازنتها على أساس سيناريو الزيادة الهائلة في المعروض، فإن ذلك قد يؤدي إلى عواقب وخيمة؛ فقد تحتاج المؤسسات التي صممت سياسات التحوط الخاصة بها وخططها المالية على أساس وصول سعر النفط الخام إلى متوسط 50 دولارًا، إلى تعديل هذه السياسات سريعًا إذا أدى انخفاض المخزون والمخاطر السياسية الجغرافية إلى ارتفاع هذه الأسعار بصورة ملحوظة. وحتى إن لم يحدث عجز فعلي في المعروض، فإنه يرجح ارتفاع تكلفة التأمين ضد اضطرابات الإمداد.

ولا زالت وجهة النظر السائدة للبنوك والمؤسسات المالية شائعة، ويتضح ذلك من استمرار أغلب البنوك في نشر منحنيات تتوقع متوسط سعر أقل من 60 دولارًا، ولكن الأساس الذي بنيت عليه يثبت ضعفه يومًا بعد يوم. ومع كل إصدار تدريجي للبيانات، يصعب تفسير الفجوة بين الفائض الذي تظهره هذه النماذج وبين التضييق الفعلي الحادث في السوق. وما لم يحدث انهيار في معدلات الطلب العالمية أو تغرق دول أوبك بلس السوق بالإمدادات، فإن الاحتمالات الأبرز تؤيد حدوث توازن أكبر في السوق، وبالتالي حساسية أعلى للسعر، على عكس ما تصفه التوقعات السائدة بأنه "فائض حتمي".

والحقيقة واضحة؛ فهناك اختلاف لا يمكن إغفاله بين توقعات المتنبئين عن السوق، وعن ما تشير إليه البيانات الحالية؛ إذ لا يزال احتمال حدوث قفزة مفاجئة في أسعار النفط قويًا، وقد يؤدي تجاهل هذا الاحتمال إلى عواقب أخطر من الآثار المبنية على التوقعات السائدة.