الاثنين 29 مايو 2023 01:24 صباحاً
تحقيق: محمد الماحي
مع التطور التكنولوجي، وجد المتحرشون ضالتهم، لإشباع رغباتهم وشهواتهم الحيوانية، الجانحة نحو مزيد من التحرش، ظناً منهم أنهم سيكونون بعيدين عن أعين الأجهزة الأمنية؛ وذلك من خلال التحرش الإلكتروني، الذي انتشر خلال الفترة السابقة، فلا يمر يوم إلا ونرى وقائع من التحرش الإلكتروني، لكنّ المشرع الإماراتي لم يقف مكتوف اليدين أمام التطور التكنولوجي؛ حيث تصدى لهذه الثغرة التي يستغلها المتحرشون عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وتشهد وسائل التواصل وقائع تحرش عديدة، بدءاً من رسائل التعارف المجهولة، مروراً بالشتائم وإرسال الصور المُخلّة بالآداب والرموز التعبيرية من قلب وورد، وصولاً إلى الابتزاز والتشهير والتهديد والملاحقة، والتلاعب بالصور الموجودة على الصفحات الشخصية.
ويعاقب قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، بالحبس بمدة لا تزيد على سنتين، والغرامة التي لا تقل عن 250 ألف درهم، ولا تتجاوز 500 ألف درهم أو بإحدى العقوبتين، من ابتز أو هدّد شخصاً، لحمله على القيام بفعل أو الامتناع عنه، باستخدام شبكة معلوماتية أو وسيلة تقنية معلومات، وتكون العقوبة بالسجن بمدة لا تزيد على 10 سنوات، إذا كان التهديد بارتكاب جناية أو بإسناد أمور خادشة للشرف أو الاعتبار.
على الرغم من أن المشرع الإماراتي أرسى قواعد مهمة، للمحافظة على مكتسبات الوطن؛ فوضع تشريعات وعقوبات صارمة، للتصدي للجرائم الإلكترونية واستغلال وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة سيئة، لما لذلك من خطورة على المجتمع، فإن المحاكم تشهد قضايا تحرش إلكتروني، ومن أحدثها قضية شاب، قام بإرسال مواد إباحية إلى فتاة عبر برنامج التواصل الاجتماعي «الواتس أب»، وكانت النيابة العامة قد أسندت للمتهم قيامه بتهديد المجني عليها، وارتكاب أمور خادشة للشرف والاعتبار، بأن هددها بإبلاغ والدها بعلاقتها بأحد الرجال، واتهامه بإرسال مواد إباحية إلى المجني عليها عبر برنامج «واتس أب»، إضافة إلى تهمة التقاط صور للمجني عليها، والاحتفاظ بها واستخدامها في تهديدها.
وكانت محكمة أول درجة قد قضت حضورياً بسجن المتهم خمس سنوات، وأمرت بإبعاده عن الدولة، وبمصادرة الهاتف المضبوط، وإزالة البيانات والمعلومات التي به وإعدامها، وألزمته رسم الدعوى الجزائية.
وفي قضية أخرى، تحرش شاب خليجي في العقد الثاني من العمر بشابة خليجية على تطبيق «إنستغرام»، وقامت الشابة بحظره من قائمة الأصدقاء، لكنه ظل يلاحقها في حسابات أخرى على مواقع التواصل الاجتماعي، فأرسل إليها تسجيلاً صوتياً يسبها فيه بألفاظ خادشة للحياء، ويهددها بفضحها أمام أشقائها، وحرق منزلها، ودهس وجهها إذا لم ترفع الحظر وتعيد علاقتها به.
وقالت المجني عليها «20 عاماً»: إنها كانت موجودة بمنزل أسرتها حين تلقت رسائل صوتية عبر تطبيقي «سناب شات» و«إنستغرام» ولعبة «بابجي» من المتهم، يسبها فيها بألفاظ خادشة للحياء، وهددها بإخبار أشقائها عن علاقتها به، إذا لم ترفع الحظر عنه في «إنستغرام» فيما كشفت تحقيقات النيابة العامة أن المتهم أرسل رسائل عدة إلى المجني عليها، سبها فيها بعبارات خادشة للحياء، وقام بإرسال صورة ومقاطع مرئية إلى أهلها، وأنه سوف يفضحها على شبكات التواصل الاجتماعي إذا لم تتزوجه.
مستويات ثقافية
ولا يقتصر ضحايا التحرش الإلكتروني على النساء والفتيات، فقد وقع في فخاخه شباب ورجال ناضجون، من أعمار ومستويات ثقافية مختلفة؛ حيث تروي والدة الطالب في المرحلة الثانوية عبد الله راشد، قصة حدثت مع ابنها أثناء تصفحه لموقع إلكتروني لشراء دراجة هوائية.
وقالت ل «الخليج» إن شخصاً مجهولاً بدأ بالتحدث مع ابنها عبر أحد المواقع الإلكترونية، وطلب منه التواصل معه عبر «واتس أب»، وإرسال تسجيل صوتي له، للتأكد من أنه شاب، وعلى الفور أبلغني ابني بالتفاصيل، وأن هناك شخصاً طلب منه التواصل عبر الهاتف في محاولة للبدء في ابتزازه.
وأضافت أنها بدأت بتتبع المتحرش، وطلبت من ابنها التواصل معه عبر «واتس أب»، وإرسال تسجيل صوتي له، ليتأكد من أنه شاب، بعد ذلك طلب منه المتحرش التواصل معه عبر «سناب شات» لتبادل الصور بينهما عبر حسابه الخاص.
وقالت: في تلك اللحظة بدأت الشكوك تتأكد بأن هذا الشخص متحرش، ويريد أن يبتز ابنها؛ حيث أرسل صوراً إباحية وصوره وهو عارٍ، وطلب من ابنها الضحية إرسال صورته له، وأكملت عندما وصلنا إلى هذه المرحلة من التحرش والابتزاز، بدأت بالتواصل مع المتحرش شخصياً، لاستدراجه؛ حيث تبين أنه يقيم بعيداً عن منزلي ب300 كيلومتر.
وأوضحت أنها حررت بلاغاً ضده في مركز الشرطة، وقدمت جميع البيانات وصور المحادثات؛ حيث تم ضبطه، وتبين خلال التحقيقات أنه تواصل مع آخرين بالأسلوب نفسه، للتحرش بهم إلكترونياً.
ويروي «جمال» البالغ 40 عاماً، أنه كان يتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، فاستوقفه إعلان ترويجي نشره حساب وهمي لفتاة جميلة، وقامت بمشاركته، ويتذكر شعوره بإذلال كبير بعد اصطياده عبر الفتاة الوهمية، وتعرضه للاستدراج والابتزاز.
ويقول: «بدأت الواقعة حين تواصلت معي الفتاة عبر أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي، وحددت لي عنوان مقهى نلتقي فيه، واكتشفت أن هناك شخصاً آخر، التقط صوراً لي معها، ثم هددتني بأن تسلم الصور لزوجتي».
لجنة مختصة
ودعا المحامي والمستشار عبيد الصقال، الجهات المسؤولة إلى تشكيل لجنة مختصة من الكوادر الوطنية القادرة على استكشاف ومتابعة مثل هذه الجرائم، ومعرفة مصادرها وخلفيات أصحابها، لافتاً أيضاً إلى دور وسائل الإعلام في قضية التوعية من خطورة الجرائم الإلكترونية، وحث أفراد المجتمع على ضرورة التبليغ عن أي خروق قانونية من شأنها أن تزعزع المجتمع.
وتابع أن من هذه الجرائم جريمة الابتزاز الإلكتروني التي عرّفها المشرع الإماراتي في المادة (16) من المرسوم بقانون اتحادي رقم (5) لسنة 2012 وتعديلاته في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات على أنها: يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين، والغرامة التي لا تقل عن 250 ألف درهم، ولا تجاوز 500 ألف درهم، أو بإحدى العقوبتين، كل من ابتز أو هدد شخصاً آخر، لحمله على القيام بفعل أو الامتناع عنه؛ وذلك باستخدام شبكة معلوماتية أو وسيلة تقنية معلومات.
وتكون العقوبة بالسجن مدة لا تزيد على 10 سنوات إذا كان التهديد بارتكاب جناية أو بإسناد أمور خادشة للشرف أو الاعتبار، مشيراً إلى إمكان أن تتطور بعض الجرائم، لتكون جريمة اتجار بالبشر، بما لها من ارتباط ببعض الأفعال التي قد تصل إلى هذه الجريمة أو غيرها من الجرائم التي وضع فيها المشرع حماية كاملة لضحاياها.
ودعا أفراد المجتمع في حال تعرض شخص ما للتحرش الإلكتروني أو الابتزاز إلى التوجه مباشرة للجهات الرسمية، مؤكداً أن هذه الجهات تعالج وتحل هذا النوع من القضايا بسرية حتى لا يكون المجني عليه عرضة للاستغلال الذي قد يدفع من ثمنه الكثير.
وتتفق جميلة الحساني، الاختصاصية النفسية والمستشارة الأسرية، مع ماسبق وتضيف إليه: إن التحرش الإلكتروني يمكن أن يشمل عدة أنماط، النمط الأول: التحرّش اللفظي، ويتمثل في إرسال الكلمات الخادشة للحياء، أو مكالمات صوتية، أو التلفّظ بكلمات ذات طبيعة جنسية، أو وضع تعليقات ذات إيحاء جنسي.
أما النمط الثاني فيتمثل في التحرش البصري، عبر إرسال الصور والمقاطع الجنسية.
وقالت: إن النمط الثالث يشمل التحرش بالإكراه؛ حيث إنه من الممكن أن يحدث التحرش الجنسي من خلال اختراق جهاز الاتصال الخاص بالضحية، والحصول على صور خاصّة، ومعلومات شخصيّة، وإجباره على الموافقة على اللقاء بالمتحرّش على أرض الواقع؛ وذلك من خلال الملاحقة، أو التهديد والابتزاز بنشر الصور، أو التشهير عبر وسائل إلكترونية مختلفة، أو الملاحقة والتجسس، أو التتبع بالتعليقات المسيئة، أو انتحال الشخصية بتزوير البريد الإلكتروني أو انتحال الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأضافت: بإمكان الشخص القيام ببعض الأمور ليحمي نفسه من التحرش الإلكتروني، وليحد من هذه المشكلة، ونصحت باستخدم بريد إلكتروني منفصل لمواقع التواصل الاجتماعي والأنشطة الأخرى عبر الإنترنت، إضافة إلى التأكد من أن جميع منشوراتك مرئية للأصدقاء فقط حتى لا يتمكن الغرباء من رؤيتها، وعدم قبول طلبات الصداقة إلا من الأفراد الذين تعرفهم شخصياً، وعدم مشاركة صور قد تشير إلى موقع منزلك.
أسرع الجرائم
«الخليج» طرحت قضية التحرش الإلكتروني للنقاش؛ باعتبارها من أبرز الجرائم الإلكترونية، التي تشكل خطراً على المجتمع؛ حيث أكد المشاركون أن التحرش الإلكتروني يعد من أسرع الجرائم نمواً في العالم، فهو جريمة خطرة تدمر حياة الناس، لاستهداف الضحية وتخويفها.
ويقول الدكتور هشام عباس، عميد كلية الاتصال بالجامعة القاسمية: «لا شك أن التكنولوجيا قد غيّرت حياة الكثيرين، وتقوم بإدارة حياتهم، باستخدام مجموعة من التطبيقات المفيدة، لكن للأسف، يوجد جانب سلبي لكل ذلك، فبعض الناس يستخدمون هذه التكنولوجيا لأغراض المضايقة، والترهيب والإضرار بالغير، ويتتبعون مواقع الضحايا بهوس، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ومراقبة أنشطته على الإنترنت، ويمكن أن يتضمن التحرش الإلكتروني سلوكاً آخر، يهدف إلى تخويف الضحايا أو جعل حياتهم لا تُطاق، فمثلاً قد يستهدف المتحرشون الإلكترونيون ضحاياهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ويتصيدونهم ويرسلون إليهم رسائل تهديد».
وتابع: «وربما يخترقون حساباتهم الشخصية، للتواصل مع جهات اتصال الضحية، بمن في ذلك الأصدقاء وحتى أصحاب العمل، والتحرش عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يمكن أن يتضمن تزييف الصور أو إرسال رسائل تهديد خاصة؛ بل حتى قد ينشر المتحرشون الإلكترونيون في كثير من الأحيان شائعات خبيثة، ويوجهون اتهامات كاذبة أو يفبركون مواد إباحية انتقامية، وينشرونها، كما قد يتورطون أيضاً في سرقة الهوية وإنشاء ملفات تعريف وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي أو مدونات حول ضحيتهم».
وحذر الآباء من زرع الخوف في نفوس أبنائهم، ودعاهم إلى تعزيز ثقتهم فيهم حتى يكونوا أول من يلجأون إليهم في حال وقعوا في مشكلة، بدلاً من البحث عن بدائل، قد تؤدي إلى تعرضهم لابتزاز مضاعف في حال لجوئهم إلى آخرين، بقصد الحماية من المتحرش؛ إذ يحتمل أن يستغلهم هؤلاء وربما قاموا بابتزازهم أيضاً، مشدداً على ضرورة وجود الثقة والتسامح بين أفراد الأسرة حتى إذا بدر عن أحدهم خطأ ما، فيجب أن يشارك أفراد أسرته فيه لمساعدته، بدلاً من الرضوخ للمبتز أو اللجوء إلى آخرين غير موثوق في نواياهم.
المصدر : أخبار العالم : التحرش الإلكتروني.. الوجه الأسود لمواقع التواصل الاجتماعي