الثلاثاء 17 مارس 2020 03:30 صباحاً
نافذة على العالم - ليس الشيخ في العنوان أعلاه واعظاً في الإسلام، ولا داعية ولا فقيهاً، وإنما هو نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، حاكم دبي، محمد بن راشد. والأميرة هي هيا بنت الحسين، زوجته السادسة التي طلّقها، من دون إخبارها، في يوم الذكرى العشرين لوفاة والدها الملك الحسين بن طلال، في فبراير/ شباط 2019، قبل أن تتمكّن من الخروج (أو الهروب على الأصح) من دبي إلى لندن في إبريل/ نيسان 2019. أما الصحافة في العنوان نفسه فهي الصحافة البريطانية، وخصوصاً صحيفة الغارديان، تأخذ راحتها في متابعة الملف المنظور لدى قاضي الشؤون العائلية في المحكمة العليا في لندن، بعد أن تقدّمت الأميرة بطلب حمايتها من طليقها، وحضانة طفليها، ومنع زواج قسري قالت إنه يتم تدبيرُه لابنتها ذات الأحد عشر عاماً.
لأهل الاختصاص في القضاء، البريطاني خصوصاً، وفي قوانين الشؤون العائلية، أن ينظروا في الجانب القضائي المحض في هذا الملف، وفي السيناريو الأرجح أن تنتهي إليه القضية، وإنْ بدا مما نشرته الصحافة البريطانية، الأسبوع الماضي، أنه أمكن للأميرة هيا، وفريقها القانوني، أن يُثبتا للقاضي حاجتها للحماية، بسبب "ترهيبٍ" كثيرٍ قالت إنها تعرّضت له، وقد أبلغت القاضي عن عثورها على مسدس على وسادة نومها في دبي مرتين، وأثبتت الأميرة ومحاموها حاجة طفليها لحضانتها، بعد ذيوع الأخبار عن خطف والدهما شقيقتيْن لهما هربتا من دبي، واحدةٍ في في بريطانيا قبل عشرين عاماً، والأخرى في البحر قبل أربعة أعوام، أما حماية البنت (الشيخة الجليلة) من زواجٍ قسري من وليّ عهد السعودية، محمد بن سلمان، فإن الأميرة هيا لم تستطع إثبات قولها هذا، وإنْ أقرّ القاضي بوجوب حماية البنت من زواج قسري محتمل قد يدبّره والدها لها.
لهذه التفاصيل جاذبيتها للصحافة، ولتريند المقروئية، غير أن الأدعى لانتباهنا، نحن العاملين في الصحافة وكتابة التعاليق فيها، رفضُ المحكمة البريطانية النظر في طعنٍ قدّمه محمد بن راشد لمنع نشر أحكامٍ تتعلق بالمعركة القضائية هذه، ودعا إلى احترام حياة عائلته الخاصة. وقال بيانٌ لمحاميه إن قرار المحكمة "لا يحمي أطفاله من أضواء الإعلام"، و"يعكس جانباً واحداً من القضية". لم يأخذ القاضي المختصّ بهذا الكلام، ولم تفلح محاولات هؤلاء المحامين، في وقتٍ سابق، في ثني المحكمة عن فتح الملف للعامّة (للصحافة)، فقد رأت أن "من حق الصالح العام التعرّف على الممارسات التي قام بها الشيخ محمد بن راشد نحو ابنتين له من زواج سابق، اللتين اختطفتا قسراً، ثم حملة الترهيب التي مارسها ضد الأميرة هيا منذ العام 2018...". وهنا درسٌ ثمينٌ يمنحنا إياه علوّ القانون الذي يعطي حرية المعلومات أولويةً على أي حساباتٍ أخرى، في مسألةٍ تتصل بحقوق الأفراد في الحماية من التخويف والترهيب. ولمّا كانت للصحافة سلطتُها في هذه المنظومة الحقوقية والقانونية، فإنه يصير على محمد بن راشد، وغيره، أن يعرفوا جيداً أن الدنيا هناك في بريطانيا غيرها في دبي وأمثالها من حواضر عربية، يظنّ الحكام فيها أن من صلاحياتهم أن يزايدوا على البشرية في الثرثرة عن مكافحة العنف المنزلي فيما الذي في القصور مروّع، مثل الذي جعل الشيخة شمسة والشيخة لطيفة تهربان، قبل أن تُستعادا في عمليتي خطفٍ مثيرتين، تفتح الصحافة البريطانية ملفيهما مجدّداً. ونقرأ أن الأميرة هيا استأنست أمام القاضي بموضوعٍ نشرته "الغادريان" في العام 2001، عن خطف شمسة في كامبريدج في بريطانيا.
ولمّا كانت "الغارديان" أول من كشف عن تقاضي الأميرة الأردنية أمام المحكمة البريطانية، فإنها، وصحفاً زميلاتٍ لها، تواصل نشر مواد تتقصّى في الذي ذاع عن عملية الاختطاف التي انكتب أنها جرت على أراضٍ بريطانية، وتتساءل عمّا إذا كان للحكومة والسلطات المحلية تواطؤ في الأثناء، ما يعني مشاركةً في سلوكٍ يعاقب عليه القانون المحلي، وكذا الدولي، وقوانين الطيران المدني أيضاً، ما قد يعود إلى نفوذ مالي وسياسي لدولة الإمارات، ولشخص محمد بن راشد صاحب الخيول الثمينة هناك، حسب ما تكتب الصحافة التي تقدّم لنا، نحن العرب والعالمثالثيين، دروساً عظيمة القيمة في ملفٍ شديد الحساسية، تتدحرج مستجدّاته في لندن، وليس في وسعنا، في غضون متابعتنا لها، غير أن نغبط أهل الصحافة هناك.. والتأسّي على أحوال أهل الصحافة هنا.